سأل المعلم التلاميذ مرة في الصف واحدا واحدا: ماذا تحب أن تكون?
وقال: كل واحد حر في جوابه فلا يخف ولا يستحي.
وقال أحمد وكان أصغر التلاميذ: أنا أريد أن أكون سائقا في القطار، فأركب دائما وأسافر مجانا وأتتزه.
وقال عبد الرحمن: إن سائق القطار في تعب عظيم وحر وجحيم، ولكني أحب أن أكون ريانا في باخرة، فأسافر في البحر وأزور البلاد البعيدة مجانا وأشاهد عجائب الدنيا.
وقال إبراهيم: اليان وباخرته في خطر من الغرق، ولكني أحب أن أكون طييبا فأداوي الناس وأداوي الفقراء مجانا، وأخدم الخلق وأحافظ على صختي وأعيش بأمن وسلام.
وأجابه عبد الرحمن وقال: هذا ليس بصحيح، ليست الباخرة في خطر في هذا الزمان، والبواخر تسافر دائما في لهذه الأيام بأمن وسلام، وبالعكس أرى الأطباء يمرضون ويموتون.
وقاطعه إبراهيم وقال: أما سمعت أن باخرة غرقت قبل يومين أو ثلاثة أيام.
وأراد إبراهيم أن يجيبه ولكن قال المعلم: وهذا ليس وقت مناظرة وقد بقي كثير من الطلبة، وماذا تقول يا قاسم?
قال قاسم: أنا لا أحب أن أكون سائقا أو ربانا أو طبيبا، بل أحب أن أكون فلاحا، أزرع وأحرث، ولا أحد يخدم الناس وينفعهم كالفلاح، وهو الذي يزرع الحبوب والخضر فيأكل الناس والدواب.
وقال سليمان: أنا أحب أن أكون تاجرا، لي دكان كبير في سوق كبيرة يأتي الناس إلي ويشترون.
وقال حامد: أنا أحب أن أكون صناعا ماهرا ومخترعا أصنع وأخترع الأشياء العجيبة.
وقال خالد: أنا أحب أن أكون جنديا قويا أقاتل الكفار والمشركين وأجاهد في سبيل الله.
وقال عبد الكريم: أنا أحب أن أكون غنيا كبيرا ألبس ما أحب وآكل ما أشتهي وأسافر إلى أين أريد، ودائما عندي مال كثير وأسكن في قصر كبير.
وضحك الأولاد من قول عبد الكريم وخجل عبد الكريم.
وقال محمد: أنا أحب أن أكون عالما أخاف الله وأعبده، وأعظ الناس وآمرهم بالمعروف وأنهاهم عن المنكر وأحذرهم عذاب الله.
قال المعلم: أحسنتم يا أولادي وأنا أدعو لكم بالتوفيق والنجاح، ولكن كونوا مسلمين وابتغوا الله بعملكم وانفعوا الدين بشغلكم واخدموا الأمة بعلمكم.
قال التلاميذ: وماذا تقول أيها الأستاذ عن عبد الكريم وقصره?
قال المعلم: المال نعمة من الله يجب عليها الشكر، وسعيد جدا من آتاه الله مالا فهو ينفق منه سرا وجهرا، ويبتغي به مرضاة الله ويخدم به الإسلام، وقد جاء في الحديث الشريف: لا حسد إلا في اثنتين، رجل آتاه الله مالا فسلطه على هلكته في الحق، ورجل آتاه الله حكمة فهو يقضي بها ويعلمها).
وقد كان سيدنا عثمان غنيا وسيدنا عبد الرحمن ابن عوف غنيا.
ورفع عبد الكريم رأسه وقال: سأجتهد أن أخدم الإسلام بمالي وابتغي به مرضاة الله.