لا أنسى سفري الأول، علمت أني مسافر بكرة مع أمي وإخوتي، فاستيقظت قبل السحر وبقيت أنتظر ساعة السفر، واستيقظ أهل البيت مبكرين، وصلينا الصبح، وجاء عمي وبدأت في البيت خركة وأصوات، هذا يجري وذلك يلفت الفراش وهذا ينادي وذلك يجيب، والعم يغضب ويستعجل، والوالد قائم يأمر وينهى، ويغضب ويرشد، والخادم يهيئ الزاد، حتى كان وقت الخروج من البيت وقرب ميعاد القطار.
جاءت مركبتان فركبناهما، وسلمت على أبي فودعني ودعا لي، ووصلنا إلى المحطة فأخذ الحمالون الحوائج والمتاع، وكانت أيام شتاء فكانت الفرش كبيرة، وذهب عمي فاشترى تذاكر الفطار.
وسألت عمي عن النول فقال: إن النول ثلاث رييات، وربية ونصف لك.
وقلت لعمي: أعطني تذكرتي. فقال عمي: إنك تضبع تذكرتك، فقلت: لا! سأحافظ على تذكرتي إن شاء الله، فأعطاني تذكرتي ووضعتها عندي.
دخلنا المحطة فرأينا رجالا كثيرا ونساء وأطفالا ورأينا زحاما شديدا وسمعنا أصوات الناس والأطفال وصيحة الحمالين وصفير القاطرة.
وكان قطارنا متأخرا فذهبنا إلى المنظرة وجلسنا قليلا، ثم جثت إلى الرصيف لأرى هل جاء القطار ثم رجعت إلى المنظرة.
وبعد قليل جاء القطار فخرجنا من المنظرة، وقام الناس كلهم على الرصيف ووقف القطار، ونزل أناس وركب أناس وركبنا.
وكنت أطل من القطار وأرى المناظر، وكان الزحام شديدا في القطار، وجاء الباعة وجعل الناس يشترون ويأكلون، واشترى بعض الناس من الباعة هدايا لأصدقائهم وأقاربهم.
وبعد قليل صفر أمين القطار وهز العلم الأخضر فأسرع الناس ودخلوا في القطار، وتحركت القاطرة وسار القطار.
ودخل نقاب في عربتنا فنقب تذاكرنا ورددها إلينا.
وفي الطريق تغذينا بالزاد وأكلنا وشربنا وحمدنا الله. ولم يزل يقف القطار على المحطات ويسير حتى وصل وقت الظهر فتوضأنا بسرعة على محطة وصلينا صلاة السفر، صلينا الظهر ركعتين وسلمنا، وصفر أمين القطار فركبنا سريعا.
وقال عمي: لو كان القطار للمسلمين لكان فيه مكان للوضوء والصلاة، نؤذن فيه ونصلي جماعة.
وفي العصر وصل القطار إلى محطتنا، وكنت أطل من النافذة فرأيت هاشما وسعيدا على الرصيف وعرفتهما وسلمت عليهما وسلما علي.
ووصلت إلى قريتي وقابلت أصدقائي وإخواني وجعلت أحدثهم حديث البلد وأخبرهم بعجائه وأحكي لهم ما رأيت في السفر.